قوات الجيش اليمني هي الأخرى منقسمة بين منشقين عن النظام ومخلصين له، وموزعة على مناطق النفوذ في العاصمة. جنود «الصف الواحد» متأهبون للمواجهة في ما بينهم، والعربات المدججة في حال استعداد دائم للانطلاق في الاتجاه المعاكس. خلال عقود طويلة ظلت موازنة الجيش طي الكتمان، غير أنها أنهكت موازنة «الدولة الفقيرة» وأصابتها بعجز دائم أسهم في تدهور قطاع الخدمات، وتعثر مشاريع التنمية. شراء السلاح انهك لليمن وأوجع لليمنيين الذين يبلغ الفقر بنهم معدلات خيالية، وتتزايد بطالتهم بشكل يبعث على قلق المنظمات الدولية المهتمة بالبلد المضطرب والمتخم بالأزمات الخانقة والحروب الداخلية والفساد المتشعب الذي بات في السنوات الأخيرة واجهة الصراع وسبباً لنسج تحالفات بين النافذين على حساب الغالبية العظمى من الناس.
في اليمن نحو خمسين مليون قطعة سلاح بحوزة المدنيين (وفقاً لإحصاءات غير رسمية) معظمها بيد القبائل النافذة، بينما تعداد السكان بالكاد يزيد على 23 مليون نسمة. ومنذ اندلاع الأزمة الراهنة مطلع العام الجاري، خرجت ملايين قطع السلاح إلى العلن، وكأن صنعاء عاصمة فقدت مدنيتها فصارت اشبه بغابة من الرجال المسلحين. بينما كشفت موازنة الجيش «السرية» عن أرقام مهولة استنزفت موارد البلد لسنوات طويلة. وحين خرجت قواته من ثكناتها إلى شوارع المدن وحواريها أدرك اليمنيون حجم إنفاقهم على التسليح من قواتهم، وأن ما أنتجته صفقات الأسلحة تحول إلى وبال عليهم. فكلها آليات قتل اليمنيون وحدهم ضحاياها ووقود معاركها الطاحنة في ربوعهم. وسيبقون كذلك حتى انفراج أزمتهم سلماً او حرباً.
منذ ثمانية أشهر ونيف على اندلاع «ثورة الشباب» المطالبة بإسقاط النظام، وجد الحالمون بمستقبل أفضل لهم ولبلدهم أنفسهم محاطين بالمسلحين والأسلحة. وحين يقررون الخروج من ساحات الاعتصام وميادينه في تظاهرات ومسيرات للتعبير عن حقهم في وطن خال من السلاح والفساد، تراهم يوصون من بقي منهم خيراً بأهلهم، ذلك ان العودة غير مضمونة. فللسلاح لغة أخرى، وللمسلحين من أمامهم ومن خلفهم مآرب ومشارب وولاءات لا صلة لها بسلمية «ثورتهم». الموت هنا بلا هوية، يأتي من فوهة بندقية أو من قذيفة طائشة أو طلقة قناص سئم الانتظار خلف متراسه وحان له صيد فريسته. وحده الرصاص لا يحمل هوية موالاة النظام أو مناوئته، والضحايا يمنيون في كل ظروف الصراع «العبثي» الذي ما إن يتوقف حتى يبدأ من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق